هل ترانا الحشرات عمالقة نسير بالحركة البطيئة؟

إذا كنت من محبي أفلام الخيال العلمي فمن المؤكد أنه سبق لك أن رأيت أفلاما تظهر الحشرات وهي تنظر للبشر كعمالقة يسيرون بالعرض البطيء، أو حتى البشر أنفسهم وهم يرَون وحوش عمالقة يسيرون ببطء. فهل هذه المشاهد مبنية على حقائق علمية أم أنها مجرد نسيج من خيال منتجي هذه الأفلام؟

عيون الذباب

ولكن كيف يمكن اكتشاف ذلك؟ فنحن لا نستطيع تسجيل ما تراه الحشرات، وقد تبدو فكرة وضع كاميرا مصغرة على الحشرات جيدة للوهلة الأولى إلا أنها لن تنفع لأن الكاميرا مصممة لتصوير المشاهد من وجهة نظر البشر وستبقى كذلك مهما كان حجمها. ما العمل إذا؟
الحل يأتي من تجربة علمية تسمى التردد الحرج لِانصهار الوميض. لا أعرف إن كان هذا هو اسمها الصحيح باللغة العربية و لكنها تسمى بالإنجليزية Critical Flicker Fusion Frequency. هذه التجربة تعتمد على تسليط وميض من الضوء بضع مرات في الثانية على عين الكائن الذي يجري عليه الاختبار و ملاحظة استجابة العين لهذا الوميض.
الهدف من إجراء هذه التجربة هو البحث عن تردد انصهار الوميض للكائن، و هو عدد مرات إصدار الوميض في الثانية بحيث تتوقف العين عن الانقباض و الانبساط، أي عندما تصبح العين ترى مجموع الومضات كضوء ثابت.
ولتوضيح الأمر أكثر فلنأخذ ضوء المصباح المنزلي على سبيل المثال، أنت تراه كضوء ثابت ولكن في الحقيقة المصباح ينطفئ ويضيء بسرعة كبيرة تصل إلى 50 مرة في الثانية (50 هرتز)، وهذا ما يجعلنا نراه كضوء ثابت.
تردد انصهار الوميض بالنسبة للبشر هو 16 هرتز، أي عندما يصبح تردد الومضات أكثر من 16 ومضة في الثانية الواحدة نصبح غير قادرين على ملاحظة الفارق الزمني بين الومضات فنراه كضوء ثابت. عند مقارنة هذا التردد مع تردد انصهار الوميض بالنسبة للحشرات كانت النتائج مذهلة، لقد وجدوا أن تردد انصهار الوميض بالنسبة لبعض الحشرات وصل إلى 4 هرتز. وعند إجراء عملية حسابية بسيطة 16/4=4 أي أن الحشرات ترى الحركة 4 مرات أسرع منا!
يقول د. أندرو جاكسون من كلية ترينيتي في دبلن في جمهورية أيرلندا، والذي قاد هاته التجربة :

من المثير للاهتمام أن هناك فرق كبير بين الأنواع الكبيرة والصغيرة. الحيوانات الأصغر منا ترى العالم في حركة بطيئة. يبدو وكأن هذه حقيقة من حقائق الحياة. كان تركيزنا على الفقاريات، ولكن بالنسبة إلى الذباب، فيمكنهم إدراك وميض الضوء حتى أربع مرات أسرع مما نستطيع. يمكنك حَرفيا تخيل ذبابة ترى كل شيء بحركة بطيئة.

أثبتت هاته التجربة أن الحشرات، كالنمل والذباب والفراشات، ترى الإنسان والحيوانات الكبيرة يسيرون بالحركة البطيئة، ولعل هذا يفسر صعوبة الإمساك بالذباب وردة فعلهم خارقة السرعة (على الأقل بالنسبة لنا).
ولم يتوقف العلماء عند هذه الحد بل قرروا إجراء نفس التجربة على الحيوانات الصغيرة فاكتشفوا أيضا أن تردد انصهار الوميض لهذه الحيوانات أقل من البشر، ونفس الأمر بالنسبة للأطفال مقارنة بالشيوخ، فالأطفال يرون العالم من حولهم بطيء مقارنة بما يراه البالغين، وكلما ازداد الإنسان في العمر أصبح بطيئا ويرى العالم من حوله سريعا.
استنتج العلماء في الأخير أن سرعة ملاحظة الحركة بالنسبة للكائن وحجمه يتناسبان عكسيا، فكلما كان الكائن أصغر حجما زادت سرعة ملاحظته للحركة والعكس بالعكس.