من ماذا تتكون النار؟

النار من أعظم الإكتشافات البشرية التي تحدد هويتنا كبشر، و قد أصبحت النار عنصرا أساسيا في حياتنا اليومية بحيث لا نستطيع التخلي عنها فمِن طهو الطعام و حتى صناعة محركات الطائرات و الصواريخ أصبحت النار عنصرا حيويا لا يمكن الإستغناء عنه في هذه الصناعات، بل في أغلب الصناعات إن لم تكن كلها.
و لكن ما هو سر هذا الشيء الغريب الذي يسمى بالنار؟ فلا هي سائل يتدفق و لا هي صلب نستطيع الإمساك به و لا هي غاز يتصاعد.

ما هي النار؟

النار فعليا ليست بشيء و إنما هي مجرد مرحلة إنتقال لمادة صلبة، سائلة أو غازية إلى مادة صلبة، سائلة أو غازية، أي أنها مجرد تفاعل كيميائي، هذا التفاعل يسمى تفاعل الإحتراق.و لكن كيف تتكون النار؟ كيف نحصل على ذلك اللهب الأزرق و الأصفر الذي يخطف الأبصار؟

كيف تتكون النار؟

 لمعرفة أجوبة هذه الأسئلة سنحتاج اولا إلى معرفة مكونات النار.

ما هي مكونات النار؟

لحدوث التفاعل الكيميائي الذي يؤدي إلى ظهور النار يجب أن تتوفر ثلاثة عناصر أساسية:

1. أكسجين، و الموجود في الهواء الذي نتنفسه.
2. وقود، قد يكون صلبا، سائلا أو غازيا.
3. حرارة، نحصل عليها من شعلة أخرى أو عن طريق الإحتكاك أو أي مصدر آخر للحرارة.

هذه العناصر الثلاث تكون ما يعرف بمثلث النار، فإذا غاب أحد هذه العناصر يصبح المثلث غير مكتمل و بالتالي لن يحدث تفاعل الإحتراق.
و لنأخذ على سبيل المثال نار الموقد الذي نستعمله للطهي في منازلنا، فالوقود هو الغاز الذي نستعمله (بوتان أو ميثان)، و الأكسجين موجود في الهواء، و عند تقريب شعلة الولاعة من الموقد يكتمل مثلث النار و ينطلق تفاعل الإحتراق، و لا نحتاج إلى إبقاء الولاعة قريبة من الموقد لأن تفاعل الإحتراق يغذي نفسه بنفسه، فتفاعل الغاز و الأكسجين ينتج الحرارة و الحرارة تغذي التفاعل و هكذا.

كيف تتكون النار؟

عندما ترتفع درجة حرارة الوقود إلى أكثر من 150 درجة مئوية تبدأ ذرات الكربون و الهيدروجين المكوِّنة للوقود في الإنفصال عن بعضها البعض و الإصطدام بذرات الأكسجين. هذا الإصطدام يؤدي إلى إتحاد ذرات الكربون و الهيدروجين و الأكسجين مع بعضها البعض مكونة جزيئات جديدة من الماء و ثاني أكسيد الكربون. تَكوُّن جزيئات جديدة يحرر طاقة عالية على شكل حرارة، و من هنا تأتي حرارة النار.
بالإضافة إلى الماء و ثاني أكسيد الكربون ينتج عن تفاعل الإحتراق الرماد و مادة السخام. الرماد هو عبارة عن ذرات معدنية لم تتعرض للإحتراق كانت موجودة في الوقود (كالكالسيوم و البوتاسيوم)، أما السخام فهو عبارة عن غبار دقيق جدا يتكون من تجمع ذرات الكربون التي لم تتحد مع الأكسجين، عندما تتعرض هذه الذرات لدرجة الحرارة العالية الناتجة عن تكون الماء و ثاني أكسيد الكربون تبدأ في التوهج، و من هنا يأتي ضوء النار.
و لكن لماذا تكون النار أحيانا زرقاء و أحيانا أخرى برتقالية أو صفراء؟
السبب يرجع إلى فرق درجة الحرارة، فعندما يكون تفاعل الإحتراق كاملا، اي عندما يكون الأكسجين و الوقود موجودان بوفرة، تتحول أغلب ذرات الأكسجين و الهيدروجين و الكربون إلى ماء و ثاني أكسيد الكربون فترتفع درجة الحرارة بشكل كبير و تتوهج النار باللون الأزرق. أما عندما يكون التفاعل غير كامل، إما لنقص في الأكسجين أو الوقود، فدرجة الحرارة تكون أقل و بالتالي تتوهج النار باللون البرتقالي أو الأصفر.
بقيت معلومة أخيرة تحتاج للتوضيح، و هي لماذا تتصاعد النار للأعلى؟
الجواب هو الجاذبية، لا ليست جاذبية القمر هي التي تسحب النار للاعلى! إنها جاذبية الأرض، فمعلوم أن الغازات الباردة تكون أكثر كثافة و بالتالي أثقل وزنا فتسحبها الجاذبية للأسفل، أما الغازات الساخنة فهي أقل كثافة و أخف وزنا و بالتالي ترتفع للأعلى، هذه العملية هي التي تؤدي إلى تكون شكل النار الصاعد للأعلى. فالغازات بجانب النار تكون باردة فتنزل للأسفل، أما الغازات فوق الشعلة (و داخلها) فهي ساخنة و بالتالي ترتفع للأعلى، و هذا ما يؤدي إلى تكون شكل النار الذي نعرفه.
و الصورة التالية توضح شكل النار عندما وُضعت في بيئة منعدمة الجاذبية، فتبدو كفقاعة من النار.

النار في بيئة ذات جاذبية (على اليسار) و في بيئة منعذمة الجاذبية (على اليمين)